نعيشُ في محيطٍ يغرقُ أطفالنا فيه يومياً دون أن نشعر، سنجد أن دوامة في وسطه سحبتهم ، و سنعاني حتى نعيدهم إلى الشاطئ من جديد. أصبحت الأجهزة الالكترونية تحكمُ العالم ،فنمتصُ ما هو مفيدٌ منها و نغرقُ بسلبياتها . في هذهِ الأيام أضحينا لا ننظرُ لطفلٍ صغير ملامحه تكسوها البراءة إلا و وجدناه يحمل جهازاً إلكترونياً ويمضي عليه الكثير من الساعات ، و الأهل يمضون وقتاً جميلاً بسكوتِ طفلهم و بمهاجمة الأجهزة الالكترونية بصمتٍ له ، لنقومَ بالغطس في ميادين هذا المحيط لنرى تأثيراته على أطفالنا، وعلى تطورهم اللغوي.
إدمان الأجهزة الالكترنية
تشتكي الأمهات من بكاء أطفالهن، أو فوضاهم فتجدُ أسرع حل متاح بين يديها و هو الجهاز الالكتروني، فتعطيه لطفلها كي يسكت ، و هي لا تدري أنها تلقي به في فوهة الإدمان، كما نُشِر في جريدة “الاندبندنت” البريطانية ؛أنَّ استخدام الأجهزة الالكترونية لساعات أصبح و إدمانها كإدمان المخدرات و الكحول ،حتى طريقة العلاج واحدة، كما أن لكليهما تأثيرٌ كبير على الخلايا العصبية.
تأثيرُ الأجهزةِ الالكترونية على linguistic development. للطفل
طفلك البريء يا ماما منذُ نعومة أظافره يبدأ بعملية التواصل، عندما سمعتي نغمات صوته منذ بكاءه أول مرة، ثم يبدأ بالتفاعل مع المحيط بإصدار أصوات مناغاة ،فمقاطع غير مقصودة” مثل با با ، تا تا” ،لينتقل إلى المقاطع المقصودة فالكلمة الأولى فالجملة ثمَّ سرد قصص -ولستُ بصددِ هذا في هذه المقالة- إنَّ عملية التواصل و linguistic development. تتزعزعُ عند إعطاء طفلك الأجهزة الالكترونية منذ الصغر، ما الذي يحدثُ إذاً؟ عملية التواصل تحتاج :إلى ثلاثة أطراف
1-المرسل
2-الرسالة
3-المستقبل
،فإذا كانت الرسالةُ و المستقبل موجودان والمرسل غير واضح أو غير موجودة ؛فإنَّ عمليةَ التواصل هذه تتخلخلُ فتصبح غير بناءَّة، يسمعُ الطفلُ كلماتٍ لكنْ بدون فهم هذه الكلمات أو ربطها بشيء ، فقط المشاهدة ، وهذا منافي لخلايانا العصبية التي ترغبُ بالنشاط دوماً فيصبح فيها ضمور، و يكونُ الطفلُ صاحبَ مخزونٍ لغويّ قليل ، و لغة تعبيرية أقل نتيجة الخلل في عملية التواصل وعدم استقبال الطفل الكلمات من واقعه ومحيطه، من خلال دراسة (LENA) والتي تشيرُ إلى أنَّه كلما زادَ معدل تعرُّضُ الطفل للكلمات من خلالك سيكون تطوره اللغوي أسرع، فإذا تكلمتي معه يومياً بحدود ٢٩٤٢٨ كلمةً سينتجُ بحدود ٤٤٠٦ كلمة،كما أنَّ الأجهزةَ الالكترنية لا تنمي المهارات الضرورية للتواصل مثل التواصل البصري ،التركيز و الانتباه ،تبادل الأدوار وغيرهم.
تأثيرُ الأجهزة الالكترونية على الخلايا العصبية
أول خمس سنوات من حياة الطفل مهمة جداً للتعلم ، حيث أنَّ الخلايا العصبية و التوصيلات العصبية تُقدر بالبلايين ، وكلما زاد استخدام التوصيلات العصبية من خلال التعرض للأشياء و استكشافها و تعلمها زاد نشاط الخلايا العصبية ،فعند تركيز الخلايا العصبية على الأجهزة الالكترونية و مكنوناتها و المكوث لساعاتٍ أمامها،بالتالي فخلايانا العصبية لا تتنشطُ كثيراً و أضاعت على نفسها الكثير من الوقت فيصبح فيها ضمور بسببِ قلة استخدامها في استكشاف الأشياء
العمر المناسب لاستخدام الطفل للأجهزةِ الإلكترونية
العديد من الدراسات أثبتتْ أنَّ الطفل أقل من عمر ١٨ شهر إلى ٢٤ شهر يمنع تعرضه للأجهزة الالكترونية، في دراسة كورية وُجِدَ أنَّه عند تعرض الأطفال لمشاهدة الشاشات في عمر السنتين تقديراً ساعة و نصف فإنَّ احتمالية حدوث تأخر لغوي لدى الطفل كبيرة جداً بزيادة نسبة الخطورة ، و دراسات أخرى أثبتتْ أنَّ استخدام الأجهزة الالكترونية نصف ساعة في عمر مبكر يؤدي للتأخر اللغوي، لذلك فإن العمر و الطريقة المناسبة هو بعد سنتين و نصف تقريباً بوجود الأم و اختيارها المحتوى المُشاهد ، ثم شرحها بالذي يحدث و تجريبه مع طفلها بأدواتٍ محسوسة ،مثلاً إذا شاهدت الأم مع طفلها رسوم متحركة تحتوي مقطع فيه يلبس الطفل ملابسه،تشرح الأم ما الذي يحصل فتقول :مثلاً “شوف يا ماما ،شو بيعمل بده يلبس أواعييه ،أول اشي لبس بلوزته شو لونها ؟ أحمر ياا سلاام” وتجربة ذلك مع طفلها عند لبس ملابسه ، فتقول”شوف يا ماما ما أحلى بلوزتك زي اللي شفناها ، شو لو بلوزتك أنت ؟ أصفر ، مين أحلى بلوزتك و إلا بلوزة الرسوم المتحركة؟ ” وهكذا.بمدة نص ساعة و ليس أكثر ،مع زيادة العمر سنة نزيد نص ساعة على عدد ساعات المشاهدة،فمثلاً في عمر الثلاث سنوات ونصف تصبح ساعة
البديل عن الأجهزة الالكترونية
البديل الأساسي و المهم و الذي ينمي مهارات طفلك كاملة هو اللعب ، اللعب شيء مهم و ضروريّ للطفل منذ رؤيته للنور ، فهو ينمي المهارات الإدراكية،الحسية،الحركية، اللغوية ، الخيال و غيرها. لذلك يا ماما بقضاء الكثير من الوقت باللعبِ مع طفلك و قراءة القصص له تعزيزين الكثير من المهارات والخلايا العصبية لديه
لننقذَ أطفالنا من المقاتلِ الصامت الذي يسحبهم لقعر دوامة ليس لها قرار، ولنجعلَ طريقهم منيراً بالتعلم و النشاط ، و نبني بهم جيلاً قوياً مدمناً على حبِّ الخير و المشاركة و التواصل ،و ليس إدمان جهاز يذهب بغمضة عين، فنحن نريدُ عقولاً لا تذهبُ بغمضةِ عين كهذه الأجهزة.